صلاة الجماعة وفضلهابسم الله الرحمان الرحيم
شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام , وهى صلاة الجماعة في
المساجد , فقد اتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في
المساجد من أوكد الطاعات وأعظم القربات , بل وأعظم وأظهر
شعائر الإسلام . فقد شرع الله لهذه الأمة.
الاجتماع في أوقات معلومة , منها ما هو في اليوم والليلة
, كالصلوات الخمس ; فإن المسلمين يجتمعون لأدائها في
المساجد كل يوم وليلة خمس مرات , ومن هذه الاجتماعات ما هو
في الأسبوع مرة ; كالاجتماع لصلاة الجمعة , وهو اجتماع
أكبر من الاجتماع للصلوات الخمس , ومنها اجتماع يتكرر كل
سنة مرتين , وهو الاجتماع لصلاة العيدين , وهو أكبر من
الاجتماع لصلاة الجمعة , بحيث يشرع فية اجتماع أهل البلد ,
ومنها اجتماع مرة واحدة في السنة , وهو الاجتماع في الوقوف
بعرفة , وهو أكبر من اجتماع العيدين ; لأنه يشرع للمسلمين
عموما في كل أقطار الأرض . وإنما شرعت هذه الاجتماعات
العظيمة في الإسلام ; لأجل مصالح المسلمين ; ليحصل التواصل
بينهم بالإحسان والعطف والرعاية , ولأجل التوادد والتحابب
بينهم في القلوب , ولأجل أن يعرف بعضهم أحوال بعض ,
فيقومون بعيادة المرضى , وتشييع المتوفى , وإغاثة
الملهوفين , ولأجل إظهار قوة المسلمين وتعارفهم وتلاحقهم ,
فيغيظون بذلك أعداءهم من الكفار والمنافقين , ولأجل إزالة
ما ينسجه بينهم شياطين الجن والإنس من العداوة والتقاطع
والأحقاد , فيحصل الائتلاف واجتماع القلوب على البر
والتقوى , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :(
لا تختلفوا ; فتختلف قلوبكم)ومن
فوائد صلاة الجماعة ; تعليم الجاهل , ومضاعفة الأجر
والنشاط على العمل الصالح عندما يشاهد المسلم إخوانه
المسلمين يزاولون الأعمال الصالحة , فيقتدي بهم .
وفي الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم
:(
صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة(
وفي رواية : بخمس وعشرين .فصلاة الجماعة فرض على الرجال في
الحضر والسفر , وفي حال الأمان وحال الخوف , وجوبا عينيا ,
والدليل على ذلك الكتاب والسنة وعمل المسلمين قرنا بعد قرن
, خلفا عن سلف .
ومن أجل ذلك ; عمرت المساجد , ورتب لها الأئمة والمؤذنون ,
وشرع النداء لها بأعلى صوت : حي على الصلاة , حي على
الفلاح .وقال الله تعالى في حال الخوف :{وَإِذَا
كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ
طَآئِفَةٌ مِّنْهُم }النساء102;
فدلت هذه الآية الكريمة على تأكد وجوب صلاة الجماعة , حيث
لم يرخص للمسلمين في تركها حال الخوف , فلو كانت غير واجبة
, لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ; فإن الجماعة في
صلاة الخوف يترك لها أكثر واجبات الصلاة , فلولا تأكد
وجوبها ; لم يترك من أجلها تلك الواجبات الكثيرة ; فقد
اغتفرت في صلاة الخوف أفعال كثيرة من أجلها .
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه قال
:(
أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر , ولو
يعلمون ما فيهما , لأتوهما ولو حبوا , ولقد هممت أن آمر
بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلا فيصلي بالناس , ثم انطلق معي
برجال معهم حزم من حطب , إلى قوم لا يشهدون الصلاة , فأحرق
عليهم بيوتهم بالنار(
ووجه الاستدلال من الحديث على وجوب صلاة الجماعة من ناحيتين :
الناحية الأولى
: أنه وصف المتخلفين عنها بالنفاق , والمتخلف عن السنة لا
يعد منافقا ; فدل على أنهم تخلفوا عن واجب .
والناحية الثانية :
أنه صلى الله عليه وسلم هم بعقوبتهم على التخلف عنها ,
والعقوبة إنما تكون على ترك واجب , وإنما منعه صلى الله
عليه وسلم من تنفيذ هذه العقوبة من في البيوت من النساء
والذراري الذين لا تجب عليهم الجماعة . وفي " صحيح مسلم
)أن
رجلا أعمى قال : يا رسول الله ! ليس لي قائد يقودني إلى
المسجد , فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته , فرخص له ,
فلما ولى ; دعاه , فقال : " هل تسمع النداء ؟ " , قال :
نعم , قال : " فأجب
(فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم بالحضور إلى المسجد لصلاة
الجماعة وإجابة النداء مع ما يلاقيه من المشقة , فدل ذلك
على وجوب صلاة الجماعة . وقد كان وجوب صلاة الجماعة مستقرا
عند المؤمنين من صدر هذه الأمة :قال ابن مسعود رضي الله
عنه
:(ولقد
رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق , ولقد كان
الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)
فدل ذلك على استقرار وجوبها عند صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم , ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله
عليه وسلم , ومعلوم أن كل أمر لا يتخلف عنه إلا منافق يكون
واجبا على الأعيان . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا :
(الجفاء كل الجفاء , والكفر والنفاق , من سمع المنادي إلى
الصلاة , فلا يجيبه)
وثبت حديث بذلك :( يد الله على الجماعة , فمن شذ ; شذ في النار ) (وسئل ابن عباس عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار ولا يحضر الجماعة , فقال : " هو في النار (نسأل الله العافية والتوفيق لمعرفة الحق واتباعه , إنه سميع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق