الأحد، 2 أكتوبر 2016

روح الصلاة ولبها (2)

http://s19.s-oman.net/i/00058/bomki663hvvc_t.jpg

روح الصلاة ولبها (2)

الشيخ مشاري بن عيسى المبلع

 
(3) Photos روح الصلاة ولبها   (1) Photos روح الصلاة ولبها

الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، أحمده حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الصادق المأمون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه متمسكون. وبعد: فقد تحدثت في الخطبة السابقة عن معنى الخشوغ في الصلاة معناه وفضلِه، وذكرت طرفا من أخبار من سلف في خشوعهم. وسنقف - بإذن الله - في قادم الخطب مع سبب واحد في خطبة مستقلة؛ ليسهل البيان، ويستقر في الأذهان. - مستعينا بالله - لنحاول اللحاق بأولئك الركب ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].

 

أخي السعيد: لا بد للعاقل أن يجعل همه في أمرين، أولاهما: جلب أسباب الخشوع، وثانيهما: دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع. فمن أسباب الخشوع وهو أهمها: أن يستحضر المسلم عظمة الله في قلبه وأن يعرف من يناجي قال الحسن البصري - يرحمه الله -: "للمصلي ثلاث خصال: يتناثر البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه و تحف به الملائكة من لدن قدميه إلى عنان السماء و يناديه مناد: لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل"، والخشوع ليس بطأطأة الرأس لكنه نور يقذف في القلب وإيمان يستقر في الوجدان،   فعن أبى الدرداء - رضي الله عنه - قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.

 

روي أن أحدهم مر برجل يبيع التفاح فلما ذهب يصلي انشغل به فلما سلم من صلاته جلس يبكي فسألوه عن سبب بكائه فقال تذكرت التفاح ونسيت الفتاح - سبحانه وتعالى -. قال الإمام ابن باز - يرحمه الله -: والخشوع له أسباب، وعدمه له أسباب فللخشوع أسباب وهي: الخضوع بين يدي الله، وأن تذكر أنك واقف بين يديه سبحانه وتعالى، وقد ورد في الحديث الصحيح: ((إذا كبر أحدكم فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه))، وفي لفظ آخر: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه))، فالإنسان إذا دخل في الصلاة فإنه يناجي ربه فيتذكر هذا المقام العظيم، وأنه بين يدي الله، فليخشع لله، وليقبل على صلاته، وليتذكر عظمة الله عز وجل، وأنه بين يدي أعظم عظيم سبحانه وتعالى. ا. هـ. ثم ليعلم المصلي أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته: قال - صلى الله عليه وسلم -: قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. أخي المصلي! اسمع - وفقت - إلى حاتم الأصم - يرحمه الله - يجيب السائل حين سأله عن حاله حين قيامه للصلاة، ثم طبقه على نفسك، قال - يرحمه الله - واصفا ذلك الموقف: إذا دخلت الصلاة جعلت الكعبة أمامي، والموت ورائي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والله مطلع علي، ثم أتم ركوعها وسجودها، فإذا سلمت لا أدري أقبلها الله أم ردها علي.

 

لسان حال حاتم - يرحمه الله -:

كُلَّما لَجَّ في فُؤادِيَ شَوْقٌ    دَفَعَ الشَّوْقُ رَهْبَتي فَتَزيدُ

وإذا بالخُشُوعِ يَرْفَعُ أَشْوَا     قي فَتَصْفُو وتَرْتَقي فَتَجُودُ

 وصِرَاعٌفي فُؤادِي يَغيبُ     غَلَبَ الشوقُ رَهْبَتي، ثُمَّ يَعُودُ

 

هذا حفيد فاطمة الزهراء - بنت حبيب الله - صلى الله على أبيها ورضي عنها - هو علي بن الحسين - رضي الله عنه وعن أبيه - كان إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي؟! وروي عن ابن الزبير - رضي الله عنهما - أنه كان إذا قام في الصلاة فكأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذعاً أو حائطاً أو وجه حجر أو رحل، وكان إذا دخل بيته سكت أهل البيت، فإذا قام إلى الصلاة تحدثوا وضحكوا. أيها المؤمن! اعلم أن من أحب المخدوم أحب الخدمة له، لو عرف العبد من يناجى، لم يقبل على غيره، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه الستر الأول: الأذان، كالإذن في الدخول وستر التقريب الإقامة: فإذا كشف ذلك الغطاء لاح للمتقي قُرة العين، فدخل في دائرة دار المناجاة (أَرحنا بها يا بلال)، فقد (جعلت قرة عيني في الصلاة). لو سافرت بلداً لم تربح فيه حزنت على فوات ربحك وضياع وقتك، أفلا يبكي من دخل في الصلاة على قرة العين ثم خرج بغير فائدة.

 

ولأمرهِ كل الخلائق تخضعُ           يا مَن له تعنو الوجوهُ وتخشعُ

 

أعنو إليك بجبهة لم أحنِها يوما             لغير سؤالك ساجدا أتضرع

 

                            أنا من علمتَ المذنب العاصي الذي          عظُمت خطاياه فجاءك يهرع

كم من ساعة فرطت فيها مسرفا         وأضعتها في زائل لا ينفع

 

                            إن لم أقف بالباب راجي رحمة            فلأي باب غير بابك أقرع

 

                                         هذا أوان العفو فاعف تفضلا          يا من له تعنو الوجوه وتخشع

 

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق