الاثنين، 3 أكتوبر 2016

من خواطر الصلاة (5)

https://pbs.twimg.com/media/BWw1ZbhIIAAhn2o.jpg

من خواطر الصلاة (5)
ما أجمل الضحى
 

د. عبدالسميع الأنيس

 

 
   
(4)    الصلاةمن خواطر
(1)    الصلاةمن خواطر


جاء الصيفُ، وقد تعوَّد الناس أن يبحثوا عن مصايفَ جميلةٍ يستجمُّون فيها بعيدًا عن حرارة الشمس الملتهبة!

 

فما أجملَ أن نبحث عن مكان جميل؛ لنعيش فيه لحظات طيبة مع الله تعالى ونحن نتمتَّعُ بجمال الكون، وبديعِ صُنعه!

 

هناك لا تنسَ أن تمتِّعَ ناظريك بجمال الطبيعة بعد صلاة الفجر، وأن تشهد شروق الشمس وغروبها؛ فإنهما آيتانِ عظيمتانِ من آياتِ الله سبحانه!

 

وما أجملَ أن نقفَ في رياضٍ نضِرةٍ، تسرُّ الناظرين، وهواء عليل ينعش القلوب الكليلة، ويداوي النفوس المضطربة!

 

وبساتين تجري في جداولها مياه تعكس على صفحاتها أشعة الشمس الذهبية!

 

وهي كثيفة الأشجار، متنوعة الورود والأزهار والثمار!

 

وبينما أنت واقفٌ بين يدي الله سبحانه تُصلِّي الضحى، إذ بالبلابل تغرِّد بأنغام عذبة تُطرِب الأسماع، وإذ بالحمائم تصدَحُ بأصواتٍ شجيَّة، ونغمة حزينة!

 

ورحِم الله ذلك الشاعر، وقد وصف حمامة تصدح على غصن شجرة في أبيات تذوب رقَّةً، في حوارٍ رمزي بينهما، حيث قال:

 

رُبَّ وَرقاءَ هتوفٍ في الضُّحى     ذاتِ شَجوٍ صَدَحت في فَنَنِ

ذكرت إِلفًا ودهرًا صالحًا        فبكَتْ حُزنًا وهاجت حزني

فبُكائي    ربما   أرَّقَها        وبُكاها   ربما    أرَّقَني

ولقد تشكو   فما أفهَمُها          ولقد   أشكو   فما    تفهَمُني

غيرَ أنِّي   بالجوى أعرِفُها          وهْي أيضًا بالجَوى تعرِفُني

 

اللهم لا تحرِمْنا متعة مناجاتك، وارزقنا لذةَ النظر إلى وجهك الكريم في رياض جنَّتِك، مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

 
إقرأ المزيد

من خواطر الصلاة (4)

من خواطر الصلاة (4)
سمع الله لمن حمده!!
 

د. عبدالسميع الأنيس

 

 
   

(3)    الصلاةمن خواطر

(5)    الصلاةمن خواطر

من هيئات الصلاة قول المصلِّي بعد الرفع من الركوع: سَمِع الله لمن حمِده، وهي كلمات عظيمة، فيها إيماء بمعيَّة الله تعالى للمُصلِّي، الذي يسمع تراتيلَ المصلِّين، وتسبيحات الراكعين، وحمْد الحامدين.

 

وفيها إشعار بقَبُول حمدنا لله في مفتتح الصلاة عندما تَلونا: الحمد لله رب العالمين، وفي الركوع.

 

وفيها حثٌّ على مزيد من الحمد؛ ولهذا سنَّ لنا أن نقول أيضًا: "ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه".

 

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لذلك الصحابي الذي ألهمه الله تعالى هذه الكلمات في الصلاة: ((لقد رأيتُ بضعةً وثلاثين مَلَكًا يَبتدِرونها أيهم يكتبها أول)).

 

وفي هذا إشعار برفعها إلى الله تعالى، وقَبُولها لديه.

 

لكن لماذا كان العدد بضعة وثلاثين ملكًا؟

لقد كشف الوزير العباسي الصالح ابن هبيرة - رحمه الله - في تأمُّلاته عن السر، ووجد أن عدد الملائكة الذين رفعوها إلى الله تعالى يُساوي عددَ حروف هذه الكلمات، وهو تكريمٌ عظيم لقائلِهن!

 

اللهم يا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات، استَجِب دعاءنا، وتَقبَّل حَمْدنا لك، وثناءنا عليك بمنِّك وكَرَمك.

 
إقرأ المزيد

من خواطر الصلاة (3)

من خواطر الصلاة (3)
إنها أم القرآن!
 

د. عبدالسميع الأنيس

 

 
   

(2)    الصلاةمن خواطر

(4)    الصلاةمن خواطر

سورة الفاتحة أنشودة الحَمْد، والثناء على الله تعالى، وتمجيده في هذا الكون الفسيح، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الروم: 18]؟!

١- وهي تَتردَّد على ألسنةِ العابدين عند وقوفهم بين يَدَيْ ربِّ العالمين، ولهذا سُمِّيت بالسَّبع المثاني؛ لأنها تُثنى في كلِّ ركعة، أي: تُكرَّر، وتَكرارها يَزيدها حلاوةً، وعذوبة، وصَدَق من قال:

 

كرِّر عليَّ حديثَهم يا حادي    فحديثُهم يجلو الفؤادَ الصادي

 

٢- وهي تَشتَمِل على أصول النَّجاة التي نزل القرآن لتفصيلها، وطلبَ تحقيقها لنيل السعادة الأبديَّة.

3- وهي تحتوي على العناوين العريضة في القرآن، وتُمثِّل المدخلَ العامَّ لفَهْم أحكامه وأسراره، وتتضمَّن مفاتيحَه التي تفتح مغاليقَه، وتَفُك ألغازَه؛ ولهذا سُمِّيت بـ أم القرآن.

قال المفسِّرون: وأمُّ الشيء: أصْله، فهي أصل القرآن؛ لانطوائها على جميع أغراضه، وما فيه من المعاني والعلوم والحِكَم.

وفيما يأتي عَرْض لأهمِّ مَحاوِرها:

أولاً: إذا كانت الغاية من خَلْق الإنسان هي عبادةَ الله تعالى، فإنَّ أم القرآن تَنُص على ثلاثة أسباب لذلك، وهي:

1- أن الله ربُّ العالمين، فهو المالك، والمُتصرِّف، والمدبِّر، والمربِّي.

2- وأنَّه الرحمن الرحيم، ورحمته سبحانه وَسِعتْ كلَّ شيء.

3- وأنه مالك يوم الدين؛ أي: يوم الجزاء، ومقداره خمسون ألف سنة، وما فيه من مواقف، وما يترتَّب على ذلك من آثار.

ولا شك أنَّ الخالق العظيمَ الذي يتَّصِف بهذه الصَّفات العُليا إله يَستَحِقٌّ أن يُعبَد، وأن يُخاطَب في كلِّ وقوف بين يديه بقولنا: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5].

وأن نَستعين به في كلِّ أمورنا وشؤوننا في هذه الحياة، مُقرِّين بذلك بقولنا: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وتفاصيل هذه العبادة مُقرَّرة في القرآن المجيد.

ثانيًا: هذا الإنسان يحتاج إلى مَنْهج يسير عليه، وشريعة تُفصِّل له سُبُلَ الاهتداء؛ ولهذا علَّمنا الحقُّ أن نقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، والصراط: هو الطريق الذي سلَكه المُنعَّمون من عباد الله الصالحين، وخريطة هذا الطريق مُفصَّلة في القرآن الحكيم، وصدق الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].

ثالثًا: هناك فريقان انحرفت بهم السُّبُل عن ذلك الطريق المستقيم، الفريق الأول: هم المغضوب عليهم، وهم أناس ارتكبوا جرائمَ مُخالِفةً لهَدْي الله تعالى، فاستحقُّوا الغضبَ واللَّعنة التي تَعْني: الطَّردَ من صَفِّ المهتدين، وأسباب الغضب الإلهي والطرد من رحمته مُفصَّلة في القرآن العزيز.

وهؤلاء أصناف كُثُر، جاء بيانُهم في القرآن والسُّنَّة، ويَندرِج في هذا الصِّنف اليهود، والمشركون، والمنافقون.

وأما الفريق الثاني فهم الضَّالُّون: وهم الذين انحرَفوا عن الطريق المستقيم بعد أن اهتدَوا إليه، وسارُوا فيه، وأسباب ضلالهم مُفصَّلة في القرآن والكتاب المبين، وهم أصناف كُثُر، منهم النَّصارى.

فهذه السورة الكريمة هي بحقٍّ أم القرآن التي احتوت على أصول منهجِ الهداية،  وأسباب الغضب والضلالة.

اللهم اجعلنا هداةً مهتدين غير ضالِّين ولا مُضلِّين، ووفِّقنا لتِلاوة هذه السورة المباركة في حياتنا حتى نكون في الآخرة  ممن قُلتَ فيهم: ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]، آمين!

 

إقرأ المزيد

من خواطر الصلاة (2)

 

من خواطر الصلاة (2)
الصلاة رحلة عبر الزمن

د. عبدالسميع الأنيس

 

 
   

(3)    الصلاةمن خواطر

(1)    الصلاةمن خواطر


 

أجمل ما في الصلاة أنها رحلة جميلة عبر الزمن، نحلُّ معه ونرتحل، نشهد تقلباته، ونشاهد تغيراته، فنرى فيها مظاهر القدرة الإلهية البديعة باديةً في صفحات هذا الكون الفسيح!

لكن الحياة المعاصرة بضوضائها وضجيجها، وزخارفها وزينتها - أفقدتنا الشعورَ الجميل بتقلبات الزمن، ورؤية آيات انقلاب الليل والنهار، التي تذكرنا بالموت والحياة! وضمر في نفوسنا هذا الإحساسُ رغم أهميته في التنبُّهِ إلى عظمة الله وبديع صُنعه، وربما كان سبب ذلك إلفَنا لها، واعتيادنا لمشاهدتها، أو اعتمادنا على الساعات، على الرغم من أنها مفيدة في تنظيم أوقاتنا، وضبط حركاتنا!

ولعلَّ من الحِكَم في ارتباط الصلاة بهذه الأوقات: إحياء لهذا الشعور الضامر، وردًّا إلى فطرةِ الحياة كلما حاول الشيطان أن يبعدَنا عنها! وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

وهذه الرحلةُ تمرُّ بعشرين محطة، عبر الليل والنهار، أشار إليها الحق سبحانه في كتابه، لكن أهمها خمسة، وسنمر على الأزمنة الباقية من خلالها.

أولاً: تبدأ هذه الرحلة في وقت الفجر؛ وذلك لأنَّ طلوع الفجر آية، وشهود هذه الآية يدفعُنا أن ننهض مسرعين لنقف بين يدَيْ من أبداها سبحانه، معظِّمين لجلاله في صلاة الفجر، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]؟

ثم نحط رحالنا بين يديه في غداة جميلة، وبكور مبارك، لنشهد الصبح وهو يتنفَّس، ونشاهد الإسفار الذي يسفر عن ضوء النهار.

في هذه الساعة المباركة من أول النهار نجلس كما جلس النبي صلى الله عليه وسلم، وندعو ربنا بما كان يدعوه، ونذكُرُه بما كان يذكره ويسبِّحه؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].

ثم نشهد أجمل منظر وأبهاه: إنها لحظات الإشراق! لحظة انتشار أشعة الشمس على صفحات الكون.

وعندما يكتملُ الانتشار، نقوم لنؤدِّيَ واجب التعظيم في سنَّة صلاة الضحى، وهذه الصلاة من سُنَن المرسلين، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17، 18]؟

قال ابن عباس: كنت أمرُّ بهذه الآية: ﴿ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 18]، ولا أدري ما هي، حتى حدَّثتني أمُّ هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوَضوء فتوضَّأ، ثم صلَّى صلاة الضحى.."[1].

ثانيًا: وهكذا تجري الشمس، ونقوم نحن إلى شؤون حياتنا، فما نشعر بها إلا وقد وصَلَت إلى قبة السماء، وهذا إيذانٌ بانتصاف النهار، وما أن تميل أدنى الميل - وميلها هذا آيةٌ من آياته - حتى ننهَضَ لنقفَ بين يدَيْ مَن أظهرها في صلاة الظُّهر.

وهذا الميل يقترن به حدث مهم، حدثنا عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أربَعٌ قبل الظُّهْرِ ليس فيهنَّ تسليمٌ، تُفتحُ لهنَّ أبوابُ السَّمَاءِ))[2].

وهذه الأربع هي سنَّة الظُّهر التي سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن المبارك.

ثالثًا: ثم تجري الشمس، وتدلك دلوكًا، وتميل ميلاً إلى أن يبلغ ظلها: ظل الشيء مثله أو مثليه في الربع الثاني من منتصف النهار، فنقوم إلى صلاة العصر، نتفيَّأ في هذه الظلال رحماتِ الله تعالى، ونقف لنصلي قبل الفريضة سنَّة العصر التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((رَحِمَ اللهُ امرأً صلَّى قبل العصرِ أربعًا))[3].

وزمن العصر هو الطرفُ الثاني من النهار، كما جاء في التنزيل: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ [هود: 114]، وفيه تجتمع الملائكة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم، وهو أعلمُ بكم، فيقول: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّونَ، وأتيناهم وهم يُصلُّونَ))[4].

وهو زمن الأُفول، ويبدأ ضوءُها بالخفوت، ليوصف بالعشيِّ، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]؟

وهكذا تجري نحوَ الغروب، ومنه تبدأ الشمس رحلة النهاية، وتبدأ بنَسْج خيوطها الذهبية على الجدران والأشجار، وهنا توصف بأنها شمس الأصيل، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42]؟

إن وقتَ الغروب لا يقلُّ جمالاً وبهاءً عن وقت الشروق، وهو مشهدٌ يتجلَّى فيه خضوع الشمس بعد عزها، وانكسارُها بعد تألقها، وهذا الخضوع هو نوع من السجود لله سبحانه، أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذَرٍّ، أتدري أينَ تغرُبُ الشمسُ؟))، قلت: اللهُ ورسولُه أعلم، قال: ((فإنها تَذهَبُ حتى تَسجُدَ تحتَ العرشِ، فذلك قولُه تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38]))؟[5].

إن هذا التغيُّر هو آيةٌ من آيات الله سبحانه، ومظهر من مظاهر قدرته، تدعونا إلى تسبيح الله تعالى؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].

رابعًا: إن لحظةَ الغروب آية تتجلى في الآفاق، وهي تدعونا لنقفَ بعده بين يدي الله تعالى في صلاة المغرب.

لقد غابت الشمس عن أفقنا، وهي في غروبها هذا تأبى إلا أن تسعدنا بلون آخر من ألوانها البديعة، ألا وهو ظهور نوع من أنواع الشفق الذي أقسم الله به عندما قال: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾ [الانشقاق: 16]، وهو قسَمٌ يشير إلى أهميته وعظَمته.

وهكذا غابت الشمس، وبغروبها دخل الليل وحلَّ المساء، وفي المساء أدعيةٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها، وأذكار يذكر بها اسم ربه، فما أجملَ أن تقوم في هذا المقام الكريم بمثل ما قام به النبيُّ صلى الله عليه وسلم!

خامسًا: ثم يظهر الشَّفَق الأحمر، وما دام هذا الشفق ظاهرًا مرئيًّا، فالوقت وقت المغرب، فإذا غاب حلَّ الظلامُ، وبغيابه دخل وقت صلاة العشاء الآخرة، وهي آخرُ أعمال العبادة قبل أن نستسلم إلى النوم العميق.

والزمن الذي يستغرق العِشاءَين: المغرب والعشاء وصفه الله بـ غسق الليل، بقوله: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ [الإسراء: 78].

ولكنْ لليل وظائفُ متعددة غير النوم، ومن أهم وظائفه: التهجُّد في الثُّلث الأخير من الليل، وهو وقت الأسحار، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]؟

فما أجملَ أن نحطَّ رحالَنا بين يديه في ذلك الوقت المبارَك والناس نائمون!

في وقت ينزل فيه ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا، فيقول: ((مَن يدعوني فأستجيبَ له، مَن يسألُني فأعطيَه، من يستغفرني فأغفرَ له))[6].

والتهجُّد من سُنن الأنبياء والصالحين من عباده، يدفعهم حبُّهم لربهم إلى هجرِ المضاجع، والقيام بين يديه، وقد أخبَر عنهم الحق بقوله: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 16، 17].

وهكذا تنتهي هذه الرحلةُ المباركة، وأجمل ما فيها أننا نتحرَّى ذِكر الله، وتسبيحه وتعظيمه، والسجود بين يديه في هذه الأزمنة المتعاقبة، ونجري في عبادتنا لله كجري الشمس والكواكب وغيرها من خَلق الله تعالى.

إن الشعور الذي ينتابنا في هذه اللحظات له نكهة خاصة، لا يتذوقُها إلا مَن عرف الله حق معرفته، وملأ قلبه بتعظيمه والخشية منه، وما مثله إلا كمثل العاشق الولهان الذي ينتظر ساعةَ الوصال، ويترقب لحظة اللقاء على أحرَّ مِن الجمر!

إن هذه الأزمنة بألوانها المختلفة، وأطيافها المتنوعة: بمثابة أعراس الكون، ومواسمه المبارَكة، وقد كرَّم الله تعالى هذا الإنسان، فأذِن له بحضور هذه الأعراس والمواسم! ولكن أهمها وأعظمها ظهورًا هي أوقاتُ الصلوات الخمس المفروضة!

وزاد من حسنها، وبهائها: طريقة الإعلام بها، وهو الأذان، الذي هو بمثابة نشيد الإسلام، تصدح به الحناجر، ويتردد صداه في الآفاق!

فما أجمله من نداء، لا سيما وأنت تستشعر أن ملِك الملوك يدعوك لزيارته!

 وهو يبدأ بـ كلمة عظيمة: الله أكبر، وتعني: أن اللهَ أكبرُ من أن نعرف كُنْهَ كبريائه وعظمته، وأكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو أكبر من كل شيء، وفي ذلك إشارة إلى ترك كل ما أنت فيه، والإسراع في إجابة النداء!


 

[1] أخرجه الطبراني في الأوسط (4246)، واللفظ له، وقال الهيثمي 7/99: "وفيه: أبو بكر الهذلي، وهو ضعيف"، وقال أيضًا (2/ 282): "قلت: هو في الصحيح بغير سياقه"، لكن أخرجه الحاكمُ في مستدركه (4/53) من طريق آخر، وصححه، ووافقه الذهبي، وفيه: قال ابن عباس: "هذه صلاةُ الإشراق"، هذا ما يتعلق بوقتِ الإشراق، أما بخصوص صلاةِ الضُّحى، فقد وردت أحاديثُ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها، وهي من السُّنن المندوبة عند جمهور الفقهاء.

[2] أخرجه أبو داود (1270) عن أبي أيوب الأنصاري، وقال شُعيب الأرناؤوط (2/449): "حسن لغيره".

[3] أخرجه أبو داود (1271) والترمذي (430) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسَّنه الترمذي.

[4] أخرجه البخاري (٧٤٢٩).

[5] أخرجه البخاري برقم: (4802).

[6] رواهالبخاري (7056)، ومسلم في صحيحه برقم: (758).

 

إقرأ المزيد

من خواطر الصلاة (1)

من خواطر الصلاة (1)
أجمل سجدة

د. عبدالسميع الأنيس

 

 
   

(2)    الصلاةمن خواطر

 

 

 

تلك السجدةُ التي نستشعِرُ فيها جمالَ الخالق العظيم سبحانه، فننحني ساجدين لباهر جماله، أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف ربه: ((إنَّ الله جميل يحب الجمال))؟

 وها هي آثار جمالِه باديةٌ في كل شيء، وظاهرةٌ في صفحات الكون البديع، وفي كل لوحةٍ من لوحاته الجميلة!

فسبحان مَن خلق فأبدع، وصوَّر فأحسن التصوير!

 والجمال له سلطانٌ على القلوب، يدفع المحبَّ إلى الاستسلام أمام محبوبه، والإعلان بقوله:

 

فتحكَّمي في قلب مَن يهواكِ     الحسنُ قد ولَّاكِ حقًّا عرشَه

  وهو بيتٌ قد قاله صاحبُه في جمالٍ زائل، فكيف إذا كان ذلك الجمالُ جمالَ الخالق العظيم، الذي لا يفنَى ولا يزول! فهو أولى بالتذلل أمامه، والسجود له.

 وهذا شاعر آخر يصف حال المحب أمام محبوبه، فيقول:

 

وتَحكَّمْ؛ فالحُسْنُ قد أعطاكَا

 

تِهْ دَلالاً فأنتَ أهلٌ لذاكَا

فعَلِيَّ الجمالُ قدْ ولاَّكَا

 

وبما شئتَ في هواكَ اختبرني

  فاختياري ما كانَ فيهِ رضَاكا

 

ولكَ الأمرُ فاقضِ ما أنتَ قاضٍ

فصارَتْ مِنْ غَيرِ نوْمٍ تراكا

 

علَّمَ الشَّوقُ مقلتي سهرَ الَّليلِ ْ

 

وهو سبحانه كامل في جماله، بينما جمالُ غيره يعترِيه الأفول والنقص والزوال!

 وهو قد أذِن لأحبابه بالتمتُّع بمظاهر جماله، والتذلُّل بين يديه، بينما جمال غيره مصاحبٌ غالبًا للتكبر والتمنع والازدراء!

إقرأ المزيد

الأحد، 2 أكتوبر 2016

روح الصلاة ولبها (5)

http://s19.s-oman.net/i/00058/bomki663hvvc_t.jpg

روح الصلاة ولبها (5)

الشيخ مشاري بن عيسى المبلع

 
    (4) Photos روح الصلاة ولبها

الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين وجعلها كتابا موقوتا على المؤمنين وألزم بها المسلمين وحثهم عليها في محكم الذكر المبين قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

 

أحمده تعالى وهو الكريم المتفضل البر الجواد، وأشكره عز وجل على إنعامه الذي ماله من نفاد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أخبرنا أن رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد.

 

اللهم صل وسلم على محمد المرشد الأمين، الموصوف بالرحمة واللين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأنصار والمهاجرين، ومن جاء بعدهم من المؤمنين إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فهذه الخطبة الأخيرة في الحديث عن أسباب الخشوع في الصلاة وقد مررنا على أهم الأسباب الجالبة للخشوع مع الاختصار قدر الإمكان، ثم إني أعرج في هذه الخطبة على ما ينبغي التنبه له من الأمور التي تدفع الخشوع قبل أن يوجد وأثناء وجوده، بيد أني أعرج على أمر خطير جد خطير قبل الولوج في موضوعنا، أمر يخشى ذو العقل السديد، والأمر الرشيد، أن يصيبنا الله بعذاب من عنده بسبب هذا الذي أذكره؛ هو سبب لغضب رب الأرض والسماوات، وانتزاع البركات، وذهاب الحسنات، وتعاظم السيئات، هو سيما أهل النفاق، وعنوان أصحاب الشقاق، إنه التخلف عن الصلوات المكتوبات سيما الفجر، وما فتوى الإمام ابن باز عنا ببعيد؛ إذ حكم بكفر تارك الصلاة تكاسلا عنها وإليك العقوبات التي وردت في الأحاديث الصحاح لمن تخلف عن الفجر وهي: أن الشيطان يبول في أذنه، ويصبح خبيثا كسلانا، ويكب على وجهه في النار، ويكسر رأسه بحجر في قبره، وآخرها كما ذكره ابن القيم أنه يمنع رزقه. فليتق الله العبد المسلم.

 

أيها المؤمن! إن الأسباب التي تمنع الخشوع في الصلاة واجب عليك دفعها حتى يتم خشوعك مع الاستعانة بربك عديدة، منها: الإنشغال بما يكون أمام ناظريك فادفعه الصلاة إلى سترة والدنو منها: فإن ذلك أقصر لنظر المصلي وأحفظ له من الشيطان وأبعد له عن مرور الناس بين يديه والسنة في الدنو من السترة أن يكون بينه وبين الستره ثلاث أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممر شاة كما ورد في الأحاديث الصحيحة. ومنها زالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس رضي الله عنه قال: كان قرام لعائشة وهو ستر رقيق فيه نقوش وألوان سترت به جانب بيتها فقال لها النبي أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في الصلاة. ومنها أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي: فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قام النبي يصلي في خميصة ذات أعلام وهو كساء مخطط ومربع فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: "اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة، وأتوني بانبجانية وهو كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي".

 

ومنها: أن لا يصلي و بحضرته طعم يشتهيه: قال عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. ومنها: أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب: قال: إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء.

ومنها:

أن لا يصلي وقد غلبه النعاس: قال: إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول.


عدم الإنشغال بتسوية الحصى: عن معيقيب رضي الله عنه أن النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: إن كنت فاعلاً فواحدة.


عدم التشويش بالقراءة على الآخرين، قال ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة. ترك الإلتفات في الصلاة: قال: لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا إلتفت انصرف عنه»، وقد سئل الرسول عن الإلتفات فقال: "اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.


عدم رفع البصر إلى السماء: قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم. أن لا يبصق أمامه في الصلاة: فهو مما ينافي الخشوع في الصلاة والآداب مع الله تعالى، لقول النبي الكريم: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَلَ وجهه فإن الله قِبَلَ وجهه إذا صلى. مجاهدة التثاؤب في الصلاة: قال: إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل. عدم الاختصار في الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهي رسول الله عن الإختصار في الصلاة" وهو وضع اليد على الخصر. ترك السدل في الصلاة: لما ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه، والسدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. ترك التشبه بالبهائم: فقد نهي الرسول في الصلاة عن ثلاث: نقر الغراب، افتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإبطان البعير. بارك الله لي ولكم ..


لنقف على قول عظيم، لرجل عظيم، هو الفاروق عمر بن الخطاب إذ يقول على المنبر: (إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة ). قيل: وكيف ذلك؟ قال: (لايتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل ). هذا قول عمربن الخطابفي صدر الإسلام فماذا عن واقعنا نحن اليوم! والكثير إلا من رحم الله تذهب به أموال الدنيا وأسواقها يبيع ويشتر ويزيد وينقص وهو في الصلاة وما ذلك إلامن غفلتنا.

 

 

إقرأ المزيد